نشأت في إمارة أبوظبي مع أسرتي الصغيرة، بنتًا وحيدةً بين ولدين. أحببت القراءة جدًا وكنت محظوظة بحرص والديّ على توفير الكتب لي ولأخويَّ وفي سن مبكرة، حتى إنهما لم يمانعا يومًا خربشاتنا الكثيرة عليها وتقطيعنا لأوراقها. كان المهم بالنسبة لهما أن تكون موجودة بقربنا دومًا.
استهوتني الكتابة وأنا في سن التاسعة. كتبت يومياتي وخواطر وأشعارًا باللغة العربية والإنجليزية أيضًا. وحين بلغت العاشرة من عمري كتبت أول قصة من تأليفي، فعلت ذلك بقلم الرصاص وعلى واحد من الدفاتر التي كانت تُوزع علينا في المدارس بالمجّان في بداية كل عام دراسي. اخترت دفترًا سميكًا لأني كنت عازمة على أن تكون روايةً طويلةً جدًّا ومخيفةً جدًّا، ككل الأفلام المرعبة التي اعتاد أخي الكبير استئجارها لنا كل خميس من نادي المجمع السكني الذي كنا نقيم فيه. كان عنوانها “لازورد” وهو اسم البطلة التي قررت أن تموت في النهاية. لكني كتبت فصلًا واحدًا فقط، وكان مخيفًا بما يكفي لرواية كاملة.
أنتقلت بعدها إلى كتابة المجلات. أعجبني قصر مواضيعها وتنوعها وأنك لا تمل منها أبدًا مهما أعدت قراءتها. فصنعت مجلة خاصة بي وكان اسمها (Who Cares). واستعنت في إعدادها بمجلات أخرى قديمة، قصصت منها صور الممثلين والمغنين، وألصقتها في دفاتر الهندسة الطويلة، وكتبت تحت كل منها أخبارًا عنهم. بالطبع لم تكن أي من تلك الأخبار التي كتبتها صحيحة، لكنها جعلتهم في نظري شخصيات أكثر إثارة وغموضًا. لم يقرأ تلك المجلات أحد غيري لكني كنت فخورة بها، حتى إني علقت الأعداد الثلاثة الوحيدة التي صنعهتا على جدران غرفتي، بجانب خارطة العالم الكبيرة التي رسمتها ولونتها على ورق الكرتون بيدي أيضًا.
توقفت الكتابة مع بداية المرحلة الجامعية في الأردن. ثم عدت إليها مرة أخرى بعد التخرج، لكن خلال المنتديات العربية، وبأسماء مستعارة. لكنها كانت كتابة غير جادة وأقرب إلى الدردشة منها لنصوص ذات طابع أدبي. لم تدم الكتابة في المنتديات طويلا، ربما استمرت ستة أشهر فقط أو أقل، لأني انخرطت بالعمل والقراءة في مجال الصيدلة، والمشاركة في ورش ومؤتمرات الأدوية والعقاقير، ووجدت نفسي أحب عملي أكثر وأرغب في أن أتخصص في أحد فروعه.
سافرت إلى بريطانيا لدراسة الماجستير في الصيدلة السريرية ومن ثم الدكتوراة في علم الدواء والصحة المجتمعية. لم أفكر خلال تلك الفترة أن أكتب قصة أو نصًا أدبيًا من أي نوع، واقتصرت الكتابة عندي على إعداد الأوراق العلمية والبحثية المتعلقة بدراستي وتخصصي الأكاديمي. لكني، رغم ذلك، حافظت على ولعي الشديد بالقراءة، بل ربما ازداد ولعي بالكتب أكثر. فكنت أقرأ بمعدل كتاب واحدٍ كل أسبوع، ولم يقتصر ذلك على الروايات، بل شمل كتبًا متنوعة بين العلمي والأدبي والفلسفي والتاريخي والغرائبي أيضًا.
تحولي إلى كاتبة مهتمة بأدب الطفل واليافعين، بدأ بعد عودتي إلى الإمارات، وبالتحديد في يناير 2012، حين دعتني صديقتي الدكتورة لطيفة الفلاسي لحضور ورشة في الكتابة الإبداعية في أدب الأطفال من إعدادها وتقديمها. ففعلت وكان حضوري في اليوم الأخير، وكنت لا أعرف أيًّا من المشاركات، لكنني وجدت نفسي أتفاعل وأشاركهن في الأنشطة والتدريبات وأكتب معهن قصصًا قصيرة. وهكذا كتبت قصة تكشيرة في العام نفسه. ونُشرت في العام الذي يليه (2013). ومن بعدها كتبت قصصًا كثيرة، وما زلت أفعل، ولا أريد أن أتوقف أبدًا.
أعمل الآن في مجال الأدوية والأبحاث الطبية، لكني لا أرى حياتي العملية بعيدة عن الأدب، ولا أراها تتعارض معه، ربما لأني أجد “الحكاية” في كل شيء من حولي، مهما بدا جامدًا ورتيبًا ومكررًا. هناك دائمًا “حكاية” تراقبني بهدوء وتنتظرني بصبر، ومتى ما انتبهت لها وجلست إلى جوارها، فتحت لي ذراعيها واحتوتني بقلبها الكبير.