أبي وأمي ونحن الثلاثة بينهما.
لم تكن من عادة والدي أن يعيد التقاط الصور. كل شيء عنده يحظى بفرصة توثيق فوتوغرافي واحدة، باستثناء بعض المناسبات النادرة جدًا، وربما كانت هذه الصورة واحدة منهن، والتي أعاد التقاطها ثلاث مرات. في الأولى والثانية كان أخي محمد (المحمول هنا) واقفًا على الأرض، لكنه كان يتحرك فجأة في اللحظة التي تطرق عندها الكاميرا، فيطلب والدي منا البقاء مكاننا، ويخرج هو من المشهد. يقف خلف الكامير المثبتة على أرجل الحامل، ويضغط الزر مرة أخرى، ثم يعود راكضًا إلينا.
في المرة الثالثة، كنّا أنا وأخي عمّار قد عرفنا صوت جرس العداد، وعرفنا بأنه يقرع عشر مرات متتالية قبل أن تُحفظ الصورة، وعرفنا أيضًا بأن محمد لن يبقى ثابتًا في مكانه، لأنه أصغر من أن يدرك حاجة التقاط الصور لذلك، وأننا تعبنا ونريد الخلاص لنلعب. فصرنا، ومع كل قرعة، نهمس له بأصواتنا الصغيرة “لا تتحرك يا محمد… لا تتحرك يا محمد.. لا تتحرك يا محمد..” لكن محمد تحرك. ضحك أولًا ثم أخذ يقفز على إيقاع همسنا الذي صار مع التكرار هتافًا. وضحكنا نحن أيضًا، وضحكت والدتنا. وحده والدي بقي ساكتًا، يطالع الكاميرا بصبر، حتى قرع العداد للمرة التاسعة، ورفع محمد من على الأرض، فسكتنا جميعنا، وكانت الصورة.